يوم وفاة والدي

تحذير: هذه التدوينة مؤلمة وحزينه

لا أعرف في أي يوم توفى والدي، هل مات في يومٍ محدد؟ ام تلاشى عبر الزمن؟ هل كان حياِ؟ او كان مجرد خيال نسجته بحب الطفولة؟ قد لا استطيع الإجابة عن هذه الأسئلة، لكن ما هو مؤكد انه قد مات، والأقسى أنه لم يدفن، بل مازال يتحرك داخل جسده القديم ذو المئتي رطل.

حين ولدت كنت مربوطا لوالدتي بحبل قطعه الطبيب، ذلك الحبل الذي بدأ من والدي وانتهى بيني وبين امي، ذاك حبلٌ ماديٌ قد انقطع، واخرُ معنويٌ أخذ ينسج نفسه ويربطني بهم جميعا، ولهذا فقد ارتبطت بهم وتعلقت بهم، وتأثرت بهم في كثير من نواحي الحياه

قال أحد الحكماء في هذا الارتباط: يولد كل مولود على الفطرة، وأبواه يهودانه او ينصرانه او يؤسلمانه، ، وهذا يؤكد الارتباط (الذي لا يحتاج إلى تأكيد) الذي يحدث بين الطفل ووالديه، وقد صاغه حكيم آخر بقوله: يولد كل مولود على الفطرة والمجتمع يفسده.

يصنع الاباء لابنائهم عالما يتسق مع مبادئهم وقيمهم ومعتقداتهم، يصبح الوالدان هم المعيار الأخلاقي للطفل، هم الاساس، هم العالم بالنسبه له، وقد تكون لهم منزلة القداسه في عين هذا الطفل، ليس في طفولته فحسب، بل حتى يكبر!

وفي فك الارتباط، يقول هرمان هسه: الطّائر يكافح للخروج من البيضة، البيضة هي العالم، والّذي يريد أن يُولد عليه أولاً أن يدمّر عالمًا … الطّائر يطير إلى الله.

ذات الأمر يعيده اوشو حين يقول: لن تنضج حتى تقتل والديك، او كما قال أحمد خالد توفيق: لن تنضج حتى يُهدم امام عينيك كل ما تؤمن به. بعبارة اخرى: لن تنضج حتى تخرج من عباءة عواطفك وخيالك وترى الواقع.

منذ زمن طويل توفيت والدتي القديسه فدوى، ومع الوقت، اعدت بناء العلاقة مع والدتي التي حملت بي وولدتني ورعتني طفلا وشاباً، اما والدي القديس ماجد، فقد اكتشت للتو انه قد مات، لا أعرف متى تحديدا، او ربما لم يكن حيا قد وكنت فقط من يراه حياً. كنت أصدق كيانه المادي حين يتحرك،

الان أعود بالذاكره لأجمع تلك التفاصيل التي كنت اتجاهلها او لم افهمها انذاك، اليوم تتضح الصورة، انه كان ميتا طوال الوقت، لكني لم انتبه الا مؤخرا.

مات والدي عندما كان يروج للظلم ولم افهم، ويلوم الضحايا ولم افهم، ويعتبر ضعفهم مبررا لظلمهم، لم اتفق لكني أيضا لم أفهم، مات عندما وقف مع الظالم صراحة ضد المظلوم، ومات أكثر حين هاجمني ووجه اسلحة ظلمه تجاهي فقط لاني عارضت الظلم! مات صديقي حينها، مات القديس، مات والدي،

هذه هي الحقيقة التي تكشفت لي، وكنت اعتقد ان هذا اليوم سيأتي لكن لم أعرف بأي صورةٍ وظرفٍ سيأتي، وها قد اتى، اليوم الذي سقطت فيه عواطفي تجاه والدي ورأيت حقيقته كما هي، واتسائل: أي وهمٍ سينسجه ابني عني وسيسقط؟

0320

شانغاريلا – كوالالمبور، ماليزيا

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *