كتب محمود وغنت له ماجدة ، وكأنما كان يرسل رسالة لفتىً فلسطيني في العشرين من عمره، يحدثه فيها عن مستقبل الأيام
حاصر حصارك … لا مفر
حاصِرْ حصَارَكَ … لا مفرُّ
سقطتْ ذراعك فالتقطها
واضرب عَدُوَّك … لا مفرُّ
وسقطتُ قربك، فالتقطني
واضرب عدوكَ بي ..
فأنت الآن حُرُّ و حُرٌّ و حُرُّ
أسمعها اليوم، بعد 42 عام من كتابتها، ويترائى لي مشهد شهدته في حياتي، مشهد وصفه تميم حين قال:
مسيرة في شرفة البيت صادفت.. جريحا وحيدا يكتسي شطره دما
قد انقطعت يمناه وارتض رأسه.. فشد ضمادا دونه وتعمما
وأمسك باليسرى عصا كي يردها.. فكانت ذبابا كلما ذب حوما
وما أرسلت إلا لأن كتيبة من الجند.. خافت نصف بيت مهدما
ويكمل
رمى بالعصى جيش العدو وصية.. لمن عنده غير العصي وما رمى
رمى بالعصى لم يبقى في اليد غيرها.. ومن في يديه العسكر المجر أحجما
غدا مضرب الأمثال منذ رمى بها.. لكل فتى يحمي سواه وما احتمى
جلوسا على الكرسي مثل خليفة.. يبايعه أهلوه في الأرض والسماء
كان هذا هو مشهد الفتى العشريني، وقد أتم 61 عاماً
وتسائلت ، إلى من تحدث تميم منذ أعوام حين قال: يا مدرك الثارات أدرك ثارنا؟!
ثم تذكرت ما رأيت العام المنصرم، حين تجسدت كلماته على شاشة الأخبار:
تَرَى الفَتَى يَتْلُو الفَتَى لِيَفْدِيَه
فَإنْ هَوَى لم يَرْضَ أنْ يُخَلِّيَه
يقولُ يا أخي وَيَا ابْنَ أُمِّيَه
يا نَسْمَةَ الصُّبْحِ وَنَارَ الأُمْسِيَة
لا أَقْبَلُ المَنِيَّةَ المُنْتَقِيَة
حَتَّى تَكونَ بَيْنَنَا مُسَوِّيَة
يَعصِي النَّصِيحَ وَالمنايا مُغْرِيَة
وَعِنْدَها يَا رَبِّ تَحلُو المعصِيَة
وأندهش، أي حوارٍ جرى عبر الزمن؟ أي رؤىً تترائى للشعراء، فيخبرون بما هو آت؟
وأي انتصارات هي التي نفرح بها؟ انتصار كأس من الحبر سُكب على ورق؟
ودماؤنا قد سكبت على أرضنا ولم تنتصر بعد؟
أما وقد انقطع وحي محمود، ولازلنا ننهل من وحي تميم، فإني أميل إلى الإيمان بأن تحريرها كلها قد بدأ، وإن بدا كل شيء يقول عكس ذلك
فأشعر وكأني متفائل، وأنا أرى كل الأقنعة تسقط
أقنعةٌ من قماش وأقنعةٌ من زيف التحضر والتطور
ولو صورت تحت اللثام لصورت.. فتا ساخرا رد العبوس تبسما
تلثم كي لا يعرفوه لأنهم.. إذا عرفوه فضلوا الأسر ربما
ولو أسروه قايضوه بعمره.. لذاك رأى خوض المنية أحزما
فلم يتلثم كي يصون حياته.. ولكن لزهد في الحياة تلثما
فقل في قناع لم يلث لسلامة.. ولكن شعارا في الحروب ومعلما
وقل في جموع أحجمت خوف واحد.. وفي جالس نحو المشاة تقدما
أنت الآن حرٌ وحرٌ وحرُ

